RihannahWrite

سَمّ الخِياط

حتى يلج الجمل في سمّ الخياط،
حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، تبتغي العثرات أن تظهر نفسها
على هيئة منمقة، مستفزة، وجامحة طوال الوقت. تختال حتى تقعد
الشيخ الضرير بين دفتي كمد وذل وألم مفجع، وحزن متراكم،
تشوبه الحسرة، ويعتريه الندم.

لن نصبح كما نريد، ولن نغدو كما نؤمن، ولن يختارنا ما اخترناه.
سيكون للتسليم يد، ويكون للترك أطوار في حياتنا. علينا أن ندرك
كبر الجمل، وأن سمّ الخياط يصغره. المشاعر وأطوارها، لا شك
حاضرة، وسبل النضج بالكدر موصولة.

ندرك أننا لن نعيش طويلًا مهما بقي من العمر، وأن الندرة هي
مقياس الكثرة، وأن الرضا ساتر كل نقص.

ستتلبد الغيوم وتمطر، ولكي لا يحدث إعصار ناري في آخر
الحياة وقبل المشيب، عليك أن تتفقد كل غيمة على حِدَة،
ترقبها، تلمسها، وتقبلها، ثم تمضي.

حتى المصائب تبحث عن الاهتمام، ولن تبقى مكتوفة اليدين عن
حياتك. مرة، كما السابق، يختار التوكل حيزًا كبيرًا من الحياة
المعاشة، ولكن الخوف يشدّ يديه على أطراف الإيمان: يسترنا
من التوغل في المكاره من الفكر، ويعرّينا حينما تفلت أيدينا
قدرتها على التشبث، بسبب زلق الأيام وتسارعها.

نبذل جهدنا حتى لا ننسى استطاعتنا في الاختيار. كما قالت
أمل السهلاوي يومًا: “العالم مزود بتقنيات كثيرة لجعلك أقل”.
سيكون حماسك تهورًا، وجرأتك في مطالبة العالم للوصول إلى
توقعاتك هذيانًا. إقبالك بشهية عظيمة على التهام الدهشات،
نهمًا، سوف يدفعك العالم دفعًا لاحتراف المساومة بين ما تريد
وما يريدون.

سوف يُعين عليك أن تُبين باستمرار: من هذا الذي يتحرك في
حياتك، ويتخذ القرارات، ويتحدث، ويتجرأ؟ من هذا الذي يدفع
فواتير أشياء لم يكن يريدها من قبل؟ من هذا الذي أصبح يفرح
بالقليل كأنه الأكثر؟ من هذا الذي يقيس طوله الفارع ليستطيع
الولوج إلى رغبته عبر النوافذ، دون أدنى تَكرُّم لفردانيته
وعبقريتها؟

هل يليق بإرثك أن تكون هو؟ هل هذا حقًا أنت؟ أم نسخة أقل،
وأنت، يا عزيزي، “كثير وكبير على كل هذا”.

حرّ كإنسان عادي تمامًا.